بدعة الاحتفال بذكرى غزوة بدر
ومما أحدث في هذا الشهر المبارك الاحتفال بذكرى غزوة بدر،وذلك أنه إذا كامن ليلة السابع عشر من شهر رمضان اجتمع الناس في المساجد وأغلبهم من العامة،وفيهم من يدعي العلم،فيبدأون احتفالهم بقراءة آيات من الكتاب الحكيم،ثم ذكر قصة بدر وما يتعلق بها من الحوادث،وذكر بطولات الصحابة رضوان الله عليهم والغلو فيها،وانشاء بعض القصائد المتعلقة بهذه المناسبة.
وفي بعض البلدان الإسلامية تحتفل الدولة رسمياً بهذه المناسبة فيحضر الاحتفال أحد المسئولين فيها .
ولا يخفى ما يصاحب هذه الاحتفالات من الأمور المنكرة كالاجتماع في المساجد لغير ما عبادة شرعية،أو ذكر مشروع، وما يصاحب هذه الاجتماعات من اللغط والتشويش ونحو ذلك من الأمور التي تصان بيوت الله عنها،وكذلك دخول بعض الكفار إلى المسجد كالمختصين منهم في مجال مكبرات الصوت،أو الإضاءة،أو الصحافة والإعلام،وكذلك دخول المصورين للمسجد لتصوير هذه المناسبة،بالإضافة إلى اعتبار هذا الاجتماع سنة تقام في مثل هذا اليوم،أو هذه الليلة في كل عام .
فتخصيص هذه الليلة -ليلة السابع عشر من رمضان بالاجتماع والذكر وإلقاء القصائد،وجعلها موسماً شرعياً،ليس له مستند من الكتاب ولا من السنة،ولم يؤثر عن الصحابة رضوان الله عليهم أو التابعين أو السلف الصالح رحمهم الله،أنهم احتفلوا بهذه المناسبة في هذه الليلة أو في غيرها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :{وللنبي صلى الله عليه وسلم خطب وعهود ووقائع في أيام متعددة:مثل يوم بدر،وحنين،والخندق،وفتح مكة،ووقت هجرته،ودخوله للمدينة،وخطب متعددة يذكر فيها قواعد الدين .ثم لم يوجب ذلك أن يتخذ أمثال تلك الأيام أعياداً،وإنما يفعل مثل هذا النصارى, الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعياداً،أو اليهود،وإنما العيد شريعة،فما شرعه الله أتبع،وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه .ا.هـ .
والاشتغال بهذه الأمور وأمثالها من الأمور المحدثة،سبب في ابتعاد الناس عما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لهم من إحياء ليالي رمضان بالصلاة والذكر.ومن أعظم البلاء على المسلمين ترك المشروع وفعل الأمر المحدث المبتدع ..
بدعة حفيظة رمضان
ومن البدع المنكرة التي أحدثت في هذا الشهر الكريم ، كتب الأوراق التي يسمونها (حفائظ) في آخر جمعة من رمضان ، ويسمون هذه الجمعة بالجمعة اليتيمة ، فيكتبون هذه الأوراق حال الخطبة ، ومما يكتب فيها قولهم ( لا آلاء إلا آلاؤك سميع محيط علمك كعسهلون وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ) . ويعتقد هؤلاء الجهال المبتدعة أنها تحفظ من الحرق والغرق والسرقة والآفات .
فلا شك في بدعية هذا الأمر، لما في ذلك من الإعراض عن استماع الخطبة بل والتشويش على الخطيب وسامعيه، وذلك ممنوع شرعاً كما لا يخفى ، ولا خير في ذلك ولا بركة ، فإنما يتقبل الله من المتقين لا من المبتدعين .
وقد يكتب فيها كلمات أعجمية قد تكون دالة على مالا يصح ، أو فيها كفر بالله ، ولم ينقل هذا عن أحد من أهل العلم، وذلك- والله أعلم- من بدع الدجالين التي زينهوها للعامة البسطاء الجهال ، ولذلك لا تقع إلا في القرى المتأخرة ، والبلدان التي تكثر فيها البدع ، فيجب النهي عنها ، والتحذير منها ، مثلها في ذلك مثل جميع البدع التي تشغل الناس عما أوجبه الله عليهم من الفروض والواجبات .
بدعة قرع النحاس آخر الشهر
ومن البدع المحدثة في شهر رمضان بدعة القرع على النحاس ونحوه آخر يوم من رمضان ، عند غروب الشمس ، يأمر الناس بذلك أولادهم ، ويعلمونهم كلمات يقولونها حالة القرع ، تختلف باختلاف البلدان ، ويزعمون أن ذلك يطرد الشياطين التي هاجت في هذا الوقت ، لخروجها من السجن ، وخلاصها من السلاسل التي كانت مقيدة بها في شهر الصوم ، قاتل الله الجهل كيف يؤدي بالناس إلى هذه المهازل
بدعة وداع رمضان
ومن البدع المحدثة في شهر رمضان المبارك : أنه إذا بقي من رمضان خمس ليال، أو ثلاث ليال يجتمع المؤذنون، والمتطوعون من أصحابهم ، فإذا فرغ الإمام من سلام وتر رمضان ، تركوا التسبيح المأثور ، وأخذوا يتناوبون مقاطيع منظومة في التأسف على انسلاخ رمضان ، فمتى فرغ أحدهم من نشيد مقطوعة بصوته الجهوري ، أخذ رفقاؤه بمقطوعة دورية ، باذلين قصارى جهدهم في الصيحة والصراخ بضجيج يصم الآذان ، ويسمع الصم ، ويساعدهم على ذلك جمهور المصلين .
ولعلم الناس بأن تلك الليالي هي ليالي الوداع ، ترى الناس في أطراف المساجد ، وعلى سدده وأبوابه ، وداخل صحنه ، النساء والرجال والشباب والولدان ، بحالة تقشعر لقبحها الأبدان ، وقد اشتملت هذه البدعة على عدة منكرات منها .
1.رفع الأصوات بالمسجد ، وهو مكروه كراهة شديدة .
2.التغني والتطرب في بيوت الله ، التي لم تشيد إلا للذكر والعبادة .
3.كون هذه البدعة مجبلة للنساء والأولاد والرعاع ، الذين لا يحضرون إلا بعد انقضاء الصلاة للتفرج والسماع .
4.اختلاط النساء بالرجال .
5.هتك حرمة المسجد ، لاتساخه وتبذله بهؤلاء المتفرجين ، وكثرة الضوضاء والصياح من أطرافه ، إلى غير ذلك ، مما لو رآه السلف الصالح لضربوا على أيدي مبتدعيه – وهذا هو الواجب على كل قادر على ذلك – وقاوموا بكل قواهم من أحدث فيه ، نسأل الله تعالى العون على تغيير هذا الحال بمنه وكرمه .
ومن الأمور المحدثة المتعلقة بوداع رمضان، ما يفعله بعض الخطباء في آخر جمعة من رمضان ، من ندب فراقه كل عام ، والحزن على مضيه ، وقوله: لا أوحش الله منك يا شهر كذا وكذا . ويكرر هذه الوحشيات مسجعات مرات عديدة ، ومن ذلك قوله: لا أوحش الله منك يا شهر المصابيح، لا أوحش الله منك يا شهر المفاتيح.فتأمل هدنا الله وإياك لما آلت إليه الخطب، لاسيما خطبة آخر هذا الشهر الجليل ، الناس فيه بحاجة ماسة إلى آداب يتعلمونها لما يستقبلهم من صدقة الفطر ، ومواساة الفقراء ، والاستمرار على ما ينتجه الصوم من الأمور الفاضلة ، والآثار الحميدة ، وتجنب البدع وغير ذلك مما يقتضيه المقام