طنين الأذنين.. لا يتمناه أحد
يظهر بشكل رنين أو أزيز أو صرير أو هسيس .. ولا يزال الطب عاجزا عن علاجه
* تقرير هارفارد * كمبردج (ولاية ماساشوستس الاميركية): «الشرق الأوسط»
* طنين الاذنين، أو الطنين الاذني، هو إزعاج متواصل لا يرغب فيه أحد. وهو حالة يصدر فيها ضجيج متواصل حتى ولو لم يكن هناك شيء مسموع. والحل صعب العثور عليه. خلال فترة طويلة كان وليام ليتون قد سمع المئات، إن لم يكن الآلاف من صفارات الانذار خلال عمله فترة 29 سنة متواصلة في فرق الانذار في الولايات المتحدة، لكن ذلك لم يزعج هذا الضابط شبه المتقاعد مثلما تزعجه الاصوات التي يسمعها الآن، خاصة عند الهدوء التام. «إنه كرنين قرع المعادن، أي كالصوت الذي تسمعه لدى وقوفك تحت اسلاك الطاقة العالية الجهد الكهربائي، لكنه في النهاية صوت صادر من رأسي»، يقول ليتون البالغ من العمر 59 سنة.
إذن، يعاني ليتون من طنين الاذنين الذي يدعى بالانجليزية Tinnitus الذي هو إدراك الصوت من دون صدوره من أي مصدر خارجي. وجميعنا نعاني من رنين في آذاننا في وقت من الاوقات، لكنه يكون في العادة مؤقتا بعد حفلة موسيقية صاخبة مثلا. لكن بالنسبة الى الذين يعانون من طنين الاذنين مثل ليتون هذا، يبدو أن الضجيج يبدأ من دون أي سبب معين، ولا يزول بعد ذلك. وهو كان قد تقاعد من عمله قبل عشر سنوات، أو أكثر، عندما بدأ طنين الاذنين لديه.
* رنين وأزيز
* والرنين هو أمر شائع، لكن الناس تعاني أيضا من أزيز لا ينقطع، أو صرير، أو هسيس، أو طنين. والرجال يعانون منه أكثر من النساء، وهو شأنه شأن جميع الحالات الاخرى يصبح امرا شائعا مع التقدم بالعمر.
وحسب بعض الاحصاءات فأن نحو 90 في المائة من جميع مرضى طنين الاذنين يعانون من نقص معين في مستوى السمع الذي له علاقة بالضجيج، فالمرض هذا هو مشكلة بالنسبة الى موسيقي الروك أند رول والآخرين الذين يتعرضون الى الاصوات العالية، والصيادين والمحاربين القدامى ورجال الاطفاء مثل ليتون الذي كان يمتنع عن وضع واقيتين للاذن المطلوبتين حاليا وفقا لقواعد أنظمة السلامة الاتحادية الاميركية. ولعل بيتهوفن كان من أكثر المشهورين الذين عانوا من هذا المرض، رغم أن حالته لا علاقة لها بالتلف الناجم عن الاصوات العالية، لأنه كان يشكو من صفير وأزيز مستمرين في أذنيه بعد تردي سمعه، وهو في سن الثلاثين، قبل أن يفقد سمعه كليا ويصاب بالطرش وهو في سن الرابعة والاربعين.
وطنين الاذنين مقرون بشكل وثيق بفقدان السمع من دون أي سبب واضح. لكن إحدى الفرضيات تقول إن الخلايا الدماغية في منطقة الدماغ التي تقوم عادة بمعالجة الصوت، تصبح طليقة ونشطة تلقائيا عندما تتوقف عن تلقي «دفق» كاف من الاذن وأعصابها السمعية. ولهذا السبب تجري مقارنة طنين الاذنين بالألم الوهمي للاطراف الذي يعاني منه الاشخاص الذين بترت منهم وفقدوها.
والاطباء من جهتهم لا يملكون أي علاج جراحي، أو صيدلاني للكثير من حالات طنين الأذنين، لذلك غالبا هناك الكثير من حالات التجربة والخطأ من دون أن تكون هناك ضمانة للنجاح. ويقول ليتون الذي قضى عمره كإطفائي في مكافحة الحرائق والنيران، إن طبيبه أبلغه أن عليه أن يفترض دورا جديدا عندما يتعلق الامر بطنين الاذنين، فقد وضح له أنه بحاجة أن يكون رجل التحري الخاص بذاته، ليستقصي العلاج!
* الأسباب غالبا ما ينقسم الطنين الاذني الى حالات موضوعية وغير موضوعية، أي وهمية. وقوقعة الاذن هي ذلك التركيب اللولبي داخل الاذن الذي يحتوي على الخلايا الشعيرية التي ترتج وتهتز لتترجم الارتجاجات والاهتزازات الصوتية الى إشارات عصبية. وفي حالات الطنين الاذني الموضوعي يجري تنبيه قوقعة الاذن، ولكن من داخل الجسم، وليس من قبل الموجات الصوتية التي تصل من مكان آخر. والمثال الكلاسيكي على ذلك هو الطنين النبضي، أو الخفقي الذي يسببه تدفق الدم المضطرب عبر الاوعية الدموية قرب قوقعة الاذن. وفي بعض الاحيان تقوم الخلايا الشعرية بالاهتزاز عفويا، أو تلقائيا بحد ذاتها مولدة الصوت الذي يمكن سماعه بواسطة ألات خاصة. ويمكن أن يكون سبب الطنين الاذني الموضوعي الارتعاشات العضلية قرب الاذن، أو داخلها التي تسبب الصوت الشبيه بدقات الساعة. أما الطنين الاذني غير الموضوعي، أي الوهمي، فهو عبارة عن مصطلح سيئ الحظ لأنه يؤول الأمر بأن المشكلة هي عبارة عن مسألة رأي ليس إلا، أو إنها مجرد فكرة في رأس صاحبها. وقد استخدمها الاطباء لإبراز النقص في وجود أي منبهات صوتية موضوعية. والاغلبية الساحقة من الناس التي تعاني من طنين الاذنين تنتمي الى فئة الطنين غير الموضوعي، أي الوهمي، الذي يدعى أحيانا أيضا «الطنين النابع من الجهاز السمعي». والاخير يتألف من قوقعة الاذن والاعصاب البارزة منها، والعصب الذي يؤدي الى الدماغ والمراكز السمعية الموجودة فيه. وهذه التسمية غير أنيقة لكنها ترسم صورة أكثر دقة. وهنالك أسباب كثيرة لما يدعى «الطنين غير الموضوعي» لكن الفكرة السائدة أن سببها نوع من التلف، أو العطب أصاب الاذن، أو المراكز السمعية، أو كليهما.
* التشخيص
* ولأن طنين الاذنين عارض ظاهر، فإن خيارات العلاج تكمن في الاسباب الكأمنة، لهذا يقول الخبراء إن من الضروري بشكل خاص بالنسبة الى الاطباء سؤال المريض العديد من الاسئلة مثل: هل يصدر الصوت من إحدى الاذنين، أو من كلتيهما؟ وهل درجة الصوت هذا عالية أو منخفضة؟ وهل تعرض المريض الى أصوات وضجيج عال، أو تناول أدوية وعقاقير قد تكون مؤذية للاذنين؟ وقد يسأل بعض الاطباء المرضى عن حياتهم الاجتماعية وصحتهم العقلية لكون الطنين الاذني غالبا ما يكون شديد الوقع على الاشخاص المنعزلين المنطوين على أنفسهم، أو المصابين بالاكتئاب، أو التوتر، ولا يقدرون على الحركة بسهولة، أو يتألمون من أسباب وأوضاع اخرى.
ويركز الفحص الطبيعي على الرأس والرقبة والأذنين طبعا. كما أن اختبارا للسمع هو أمر في غاية الاهمية بسبب العلاقة بين فقدان السمع والطنين الاذني. وأخيرا ووفقا للنتائج المستخلصة من الفحوصات المذكورة أعلاه فقد يحتاج الامر الى كشف بجهاز المسح بالرنين المغناطيسي (إم آر آي) أو بغيره.
* العلاج
* الانتفاخات والالتواءات في الاوعية الدموية التي هي وراء تدفق الدم المضطرب، يمكن إصلاحها عن طريق التدخل الجراحي. ولكن إذا كانت المشكلة هي عضلات مرتعشة فقد أظهرت بعض الابحاث أن الحقن بواسطة سم بوتيولينيوم (بوتوكس) قد يساعد على ارتخاء العضلات. كما قد جرى تجربة عمليات لقطع جزء من العصب السمعي، أو تخفيف الضغط عليه. وقد جرى الافادة عن بعض قصص النجاح القليلة، لكن مثل هذا المسعى مثير للجدل وينبغي تفاديه.
وقد جرت دراسة العديد من العلاجات الطبية، لكن لم يثبت ولا واحد منها أنه وسيلة فعالة يعول عليه. ويقول بعض الخبراء إن الاختبارات السريرية يصعب تفسيرها، لكون تأثير العلاجات والعقاقير الوهمية كانت أشد تأثيرا من المستوى العادي في تجارب الطنين الاذني.
ويبدو أن «ليدوكاين» Lidocaine مخفف الألم فعال ضد الطنين الاذني الخفيف، لكن العلاج ينطوي على حقن بالوريد، مما حال دون استخدامه على نطاق واسع، كما وأن التأثيرات الجانبية أثارت مشاكل. وللأسف فإن تناول العقاقير المشابهة لهذا العقار عن طريق الفم لم تؤد الى نتيجة.
وعندما يكون الافراد مكتئبين فإنهم يميلون الى التركيز أكثر على المشاكل الاخرى مثل الطنين الاذني.
وقد تساعد العقاقير المقاومة للاكتئاب في تخفيف هذه الحالة، وبالتالي الطنين الاذني. لكن هناك أيضا نظرية تقول أن طنين الاذنين سببه عدم التوازن في الناقلات العصبية «سيروتونن» و«غاما ـ أمينوبيوتريك»، أوGABA التي تسبب الاكتئاب. فإذا كان ذلك صحيحا، فهذا يعني أن مضادات الاكتئاب قد تكون تؤثر على كيمياء الدماغ مسببة الطنين الاذني، وليس الاكتئاب ببساطة الذي يجعل الناس أكثر وعيا بالمشكلة.
* المساعي الأخرى
* ويسعى بعض الاطباء المعالجين الى جعل المزيد من الناس يتجاهلون، أو يبدون على الاقل انزعاجا أقل من الطنين الاذني بدلا من محاولة مجابهة المشكلة، فهناك الاجهزة الشبيهة بالقناع التي تبدو أشبه بمساعدات السمع التي تولد مستويات منخفضة من الصوت. ولدى تشغيل هذه الاقنعة يبدو أن الاذن والدماغ ينسيان الطنين الاذني، على الاقل مؤقتا، لكن للاسف لا تفيد هذه الاجهزة الجميع، كما أنها تجعل الحالة أكثر سوءا بالنسبة الى البعض. وبعض برامج إعادة التدريب على احتواء الحالة، ينطوي على العلاج بآلات أخرى تولد أصواتا منخفضة في مستوياتها شبيهة من حيث المبدأ بالأقنعة التي تحدثنا عنها. ويزعم الذين اقترحوا الوسائل العلاجية هذه نسبة نجاح بلغت 75 في المائة، لكنها قد تستغرق وقتا طويلا لإنجازها. ويقول النقاد إن الدراسات المفضلة أصابتها أخطاء كثيرة.
* الطب البديل
* وكلما افتقد الطب وطرقه الحالية الى الاجوبة الصحيحة، لا سيما في ما يتعلق بالحالات المزمنة، يتحول الناس الى الطب البديل، وطنين الاذنين ليس باستثناء. ومن الطب البديل هذا الابر الصينية، والعلاج بالغينغو بيلوبا (نوع من الشجر الصيني) والفيتامينات والاملاح المختلفة. ومثل هذه العلاجات لا تصمد كثيرا امام الدراسات الجدية لكن الاطباء يميلون الى التساهل، بل الى تشجيع مثل هذه التجارب طالما أنها لا تؤذي.
وظن ليتون أن عمله الاستقصائي بات يؤدي مفعوله عندما استأنف تناوله لفيتامينات «بي»، «اتصلت بابني سكوت لأخبره أنني عثرت على الجواب»، لكن بعد أيام قليلة عاد الطنين ثانية.
وهو يماشي الوضع عن طريق البقاء نشيطا (الصوت يختفي عندما يذهب مجدفا قاربه في المياه السريعة المجرى)، كما يبقي على جهازه التلفزيوني شغالا في الامسيات عندما لا يكون هناك الكثير من الأصوات، أو الضجيج. ويدرك ليتون أن مرضه متعلق بفقدانه بعض السمع بسبب صفارات الانذار وأبواق التنبيه التي كانت تقصف أذنيه أثناء عمله، وهو الآن يفعل ما في وسعه لوقايتهما من الاصوات والضجيج العالي لكون الطنين الاذني يزداد سوءا مع زيادة فقدان السمع